الذين يتحدثون عن حداثة الانتخابات في المملكة، تنقصهم الكثير من الدقة ،فلقد عرفت المجالس البلدية في بلادنا الانتخابات قبل نصف قرن تقريباً ،و توقفت لسبب أو لآخر، وها هي اليوم عادت ،ولكنها في صورة أكثر تنظيماً. كما عرفت الجامعات الانتخابات لعمداء الكليات ورؤساء الأقسام منذ نحو أربعة عقود وتوقفت، وها قد صدرت توصية من مجلس الشورى ضمن نظام الجامعات الجديد لإعادتها ولكن في صورة تتناسب مع روح العصر .
إلا ان هناك تجربة في الانتخابات شهدتها بلادنا قبل خمسة عقود، أي قبل نحو نصف قرن ،ولازالت مستمرة وقائمة حتى يومنا هذا ألا وهي الانتخابات في الغرف التجارية والصناعية حيث ينتخب كل أربع سنوات مجلس لإدارة هذه الغرف. ويتكون مثلا في غرفة الرياض من ثمانية عشر عضواً، يتم انتخاب ثلثه من التجار وانتخاب ثلثه الثاني من الصناعيين أما ثلثه الثالث فيتم تعيينهم بقرار من وزارة التجارة والصناعة .
تجربة الانتخابات هذه قديمة ،ومعروفة في كل غرف المملكة التجارية والصناعية ،إلا أن الطريف فيها أنها مكبلة بقوانين وأنظمة قديمة صادرة عن وزارة التجارة والصناعة، ولعل هذه الوزارة قد ورثت أنظمة الانتخابات هذه من وزارة أخرى سبقتها في المسئولية عن الغرف قبل انشاء وزارة التجارة والصناعة.
من أطرف فقرات مواد نظام الانتخابات في غرفنا التجارية والصناعية ،منع المرشحين من استخدام الإعلام في حملاتهم الانتخابية، كيف يمكن منع الإعلام والإعلان في هذا العصر المعلوماتي و الإعلامي الذي نعيشه اليوم .كيف يمكن للناخب المواطن مالك المؤسسة التجارية والصناعية، التعرف على المرشح لخوض هذه الانتخابات ،وعلى برامجه الانتخابية في حالة فوزه بعضوية هذا المجلس.
لقد تابعت الانتخابات التي تمت في أكثر من غرفة سعودية ، ووجدت أنها تعتمد كثيراً على الفزعة ،وعلى العلاقات والمعرفة وعلى شراء الأصوات، مقابل بعض المغريات المادية والتي وصلت إلى أجهزة حاسوبية محمولة وغيرها .لم يتحدث احد الناخبين الذين صوتوا في انتخابات غرف الرياض أو جدة أو مكة المكرمة عن انه اختار هذا المرشح لسلامة برنامجه الانتخابي الذي نشره عبر الإعلام، لأنه بكل صراحة لا يعرف هذا البرنامج أساسا ،ولا يعرف عن تفاصيله ،ولاعن الخطوط العريضة له ،هذا إذا كان لهذا المرشح برنامج انتخابي من الأساس .
الإعلام بكل وسائله وقنواته المرئية والمسموعة والمقروءة، هو لسان العصر ولغته ،ولا يمكن البتة تخيل أن تكون هناك انتخابات ومرشحون وناخبون دون وجوده وبقوة في كل التفاصيل الانتخابية، يمكن لوزارة التجارة والصناعة وضع قوانين تفصيلية واضحة ودقيقة لاستخدام وسائل الإعلام في الانتخابات، ولكن منعها إطلاقا، وحجب الانتخابات عن الإعلام وحجب الإعلام عن الانتخابات أمر غريب ،حيث لا يمكن تصور إجراء انتخابات في عزلة تامة عن الإعلام ووسائله ورسائله.
انتخابات الغرف والإعلام
في الأربعاء، 7 يناير 2009
0 التعليقات:
إرسال تعليق