التطوير الشامل للمساكن الخاصة

كنت قد قلت في حلقة سابقة من هذه الزاوية : إن الأسلوب المتبع في المملكة لبناء المنازل الخاصة هو «التطوير الفردي»، بقيام إما مالك المنزل، أو من ينيبه بالإشراف على كل دقائق وتفاصيل البناء، وهو الأمر الذي أدى إلى التكاليف الباهظة في أسعار البيوت الخاصة وإلى أخطاء لايمكن تلافيها إلا أحيانا بهدم المبنى أو أجزاء منه،
ولكن هناك أسلوب «التطوير الشامل»، وهو أن تتولى إحدى الشركات العقارية الكبرى تطوير حي سكني كامل من الالف إلى الياء، بحيث تختار موقع الأرض، وتقوم بتسويتها وإعدادها للبناء، وتجهيز كل البنية التحتية والعلوية من تمديدات الماء والكهرباء والهاتف والصرف الصحي وحتى الغاز وسفلتة الطرق ورصفها وتشجيرها وإنارتها، وتخطيط الموقع وبناء المدارس والمرافق الصحية والخدمية الأخرى كالحدائق العامة والمتنزهات ومركز التسوق للاحتياجات الضرورية للأسر، ثم تقوم ببناء المساكن، بأحجام ومقاسات متعددة، تتناسب مع الإمكانات المادية المختلفة، ومع عدد أفراد كل أسرة من الذين يبحثون عن شراء مساكن لهم ولأسرهم، ويبدأ البيع على هذا الأساس، على أن تلتزم هذه الشركة بالصيانة ، وحتى بإيجاد حراسة مدنية للحي، مقابل مبلغ مادي محدد يلتزم به المشتري ويكون احدى فقرات العقد الأساسية التي يوقع عليها الطرفان «الشركة والمشتري» ، بحيث تتحدد واجبات وحقوق كل طرف، وهنا لابد من وجود هيئة حكومية مثل هيئة الإسكان تكون الطرف الثالث ، الذي يتمثل دوره في إلزام كل طرف بالقيام بواجباته ، والحصول على كل حقوقه في المواعيد المتفق عليها. وتقوم هذه الهيئة بتحديد نوع العقوبة على الطرف المخل بأي فقرة من فقرات العقد.
في مثل هذه الأحياء النموذجية، التي تعتمد أولا وقبل كل شيء على التطوير المؤسساتي الشامل لا يترك الحبل على الغارب في تحويل بعض المساكن إلى سكن للعمال، أو الى مكتب لشركة يزاحم فيها العاملون سكان الحي وضيوفهم على مواقف السيارات، ويتحدد منذ البداية موقع الوحدات الخدمية للحي مثل محطات الوقود وورش إصلاح السيارات.
التطوير الشامل للأحياء السكنية الذي، ينعدم تقريباً في المملكة، سوف يحول أحياء مدننا وقرانا إلى مساكن عالية الجودة لا تخضع لاجتهادات مقاولين، الكثير منهم يعمل بطريقة المحاولة والخطأ الذي يدفع قيمة هذه الأخطاء وبعضها يكون كبيراً جداً وهو المواطن المسكين الذي كان يحلم بامتلاك منزل العمر وبعد أن دفع تحويشة العمر فقدهما معاً.
هناك العديد من المؤسسات التي لابد من تضافر جهودها في سبيل الحصول على الأحياء المطورة بطريقة مؤسساتية، ومنها البنوك التي لابد أن تمول المطور ، وكذلك تمول المشتري، ثم هناك البلديات التي لابد أن تسهل إجراءات التطوير الشامل، وقبل ذلك هيئة الإسكان التي لابد أن تضع القوانين الواضحة والدقيقة حول واجبات وحقوق كل الأطراف.

صحيفة اليوم السعودية: عدد 12820 صفحة الرأي  - الأثنين 1429-07-18 هـ 2008-07-21 م

0 التعليقات: