المواطن عندنا ، إذا أراد أن يبني منزلاً خاصاً له، يجب أن يتحول إلى مهندس معماري، ومخطط وأخصائي تصميم معماري، وتصميم داخلي، بل ويجب أن يعرف الكثير عن الحديد، وأحجامه ، والاسمنت والبلاط وأشكاله، والرمل الناعم والخشن، وأحجام النوافذ والأبواب ، هذا غير الأحياء الأكثر أمانا ، والأجود أرضا وتربة، والفرق بين الأرض المدفونة والصخرية ، والأسعار المعقولة لكل مستلزمات البناء، ولابد أن يعرف كل المستلزمات الكهربائية للإضاءة وللتكييف ، وكذلك السباكة واحتياجاتها من الأنابيب إلى أحواض الغسيل والاستحمام والصنابير ، وقبل ذلك وبعده مدى جودة كل هذه المستلزمات والبلدان التي صنعت فيها، هذا غير ضرورة التعرف على البويات وماركاتها والألوان المناسبة لغرفة النوم وللمطبخ .
أي يجب أن يعرف كل صغيرة وكبيرة عن كل شيء له علاقة ببناء وتشييد المساكن الخاصة، أو أن يسلم أمره لشخص آخر، يقال عنه إن لديه خبرة في كل شؤون بناء المنازل الخاصة، أي يفترض أن الشخص الآخر يعرف كل ذلك وأكثر .
ورغم كل هذه المعلومات، وجميع هذه الحيطة وسؤال الآخرين من ذوي الخبرة، يندر أن تجد من يبني منزلا خاصاً ولا يجري على الأقل تعديلا واحدا هنا وتعديلا آخر هناك ، حتى أن بعض التعديلات تأخذ من الوقت ،ومن التكلفة المادية الكثير..
هذا الأسلوب يعرف في عالم العمارة والتخطيط بـ «التطوير الفردي» أي أن كل فرد يبني بطريقته الخاصة ، وبألوانه ومعداته وتصميمه الخارجي والداخلي المختلف كلياً عن جميع المساكن المحيطة بمنزله .
فهذا يضع لونا احمر وثلاثة أبواب خارجية ونوافذ صغيرة، وجاره يختار لونا اخضر وبابين خارجيين ، ونوافذ يمكن أن تتحول لكبر حجمها إلى أبواب، وهذا يختار مواد أمريكية الصنع وجاره يختار الألمانية، أما الثالث فقد يشير عليه أصدقاؤه بمواد صينية وهكذا.
الفرد هنا هو المقاول والمعماري والمخطط وصاحب القرار الأول والأخير في اختيار التصميم ومعدات البناء .. رغم كل ذلك فهذا الأسلوب الانفرادي هو السائد في عالم تشييد وبناء المساكن الخاصة في كل أجزاء المملكة، وتصل نسبة من يبنون منازلهم بهذه الطريقة في مناطق المملكة الثلاث عشرة إلى أكثر من 99 في المائة ، حيث يعتمدون على التطوير الانفرادي أو الفردي، وعلى نصائح العديد من الزملاء والمعارف والأقارب .. هذا الأسلوب يؤدي بكل أسف إلى ارتفاع غير معقول لتكلفة البناء ، والى استنزاف ثروة المواطن والوطن من اجل المسكن ، والى تخبط في تحديد موقع المسكن وتخطيطه، والى قرارات يندم عليها كثير من المواطنين ، بل إن هذه الطريقة تؤدي إلى هدر كبير للثروة الوطنية لدرجة أن يصبح الحصول على مسكن من المستحيلات لدى حوالي ستين في المائة من المواطنين السعوديين .
ولكن هناك طريقة أخرى لبناء المسكن، إنها «التطوير الشامل» سأحدثكم عنها في حلقة قادمة.
◄ صحيفة اليوم السعودية: عدد 12813 صفحة الرأي - الأثنين 1429-07-11 هـ 2008-07-14 م
0 التعليقات:
إرسال تعليق